الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*1*المجلد الثالث *2*19- كتاب التهجد *3*1- وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: الشرح: قوله: (باب التهجد بالليل) في رواية الكشميهني " من الليل " وهو أوفق للفظ الآية، وسقطت البسملة من رواية أبي ذر. وقصد البخاري إثبات مشروعية قيام الليل مع عدم التعرض لحكمه، وقد أجمعوا إلا شذوذا من القدماء على أن صلاة الليل ليست مفروضة على الأمة، واختلفوا في كونها من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي تصريح المصنف بعدم وجوبه على الأمة قريبا. قوله: (وقوله عز وجل ومن الليل فتهجد به) زاد أبو ذر في روايته " اسهر به " وحكاه الطبري أيضا، وفي المجاز لأبي عبيدة: قوله: (فتهجد به) أي أسهر بصلاة. وتفسير التهجد بالسهر معروف في اللغة، وهو من الأضداد. يقال: "تهجد " إذا سهر "وتهجد " إذا نام، حكاه الجوهري وغيره. ومنهم من فرق بينهما، فقال: هجدت نمت، وتهجدت سهرت، حكاه أبو عبيدة وصاحب العين، فعلى هذا أصل الهجود: النوم، ومعنى تهجدت: طرحت عني النوم. وقال الطبري: التهجد السهر بعد نومة، ثم ساقه عن جماعة من السلف. وقال ابن فارس: المتهجد المصلي ليلا. وقال كراع: التهجد صلاة الليل خاصة. قوله: (نافلة لك) النافلة في اللغة: الزيادة، فقيل معناه: عبادة زائدة في فرائضك. وروى الطبري عن ابن عباس " أن النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، لأنه أمر بقيام الليل وكتب عليه دون أمته " وإسناده ضعيف. وقيل معناه: زيادة لك خالصة، لأن تطوع غيره يكفر ما على صاحبه من ذنب، وتطوعه هو - صلى الله عليه وسلم - يقع خالصا له لكونه لا ذنب عليه، وروى معنى ذلك الطبري وابن أبي حاتم عن مجاهد بإسناد حسن، وعن قتادة كذلك، ورجح الطبري الأول وليس الثاني ببعيد من الصواب. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ. اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ". قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ: (وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) . قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ سَمِعَهُ مِنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (3/4) الشرح: قوله: (إذا قام من الليل يتهجد) في رواية مالك عن أبي الزبير عن طاوس: إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل، وظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة. وترجم عليه ابن خزيمة: الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا التحميد بعد أن يكبر، ثم ساقه من طريق قيس بن سعد، عن طاوس، عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد قال بعد ما يكبر: اللهم لك الحمد " وسيأتي هذا في الدعوات من طريق كريب عن ابن عباس في حديث: (مبيته عند النبي صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة) ، وفي آخره " وكان في دعائه: اللهم اجعل في قلبي نورا " الحديث. وهذا قاله لما أراد أن يخرج إلى صلاة الصبح، كما بينه مسلم من رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه. قوله: (قيم السموات) في رواية أبي الزبير المذكورة " قيام السموات " وسيأتي الكلام عليه في التوحيد، قال قتادة: القيام: القائم بنفسه بتدبير خلقه المقيم لغيره. قوله: (أنت نور السموات والأرض) أي: منورهما، وبك يهتدي من فيهما. وقيل: المعنى أنت المنزه عن كل عيب، يقال: فلان منور، أي: مبرأ من كل عيب، ويقال: هو اسم مدح، تقول: فلان نور البلد أي مزينه. قوله: (أنت ملك السموات) كذا للأكثر، وللكشميهني " لك ملك السموات " والأول أشبه بالسياق. قوله: (أنت الحق) أي: المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه، قال القرطبي: هذا الوصف له سبحانه وتعالى بالحقيقة خاص به لا ينبغي لغيره، إذ وجوده لنفسه فلم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون معناه: أنت الحق بالنسبة إلى من يدعي فيه أنه إله، أو بمعنى أن من سماك إلها فقد قال الحق. قوله: (ووعدك الحق) أي الثابت، وعرفه ونكر ما بعده لأن وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره، والتنكير في البواقي للتعظيم. قاله الطيبي. واللقاء وما ذكر بعده داخل تحت الوعد، لكن الوعد مصدر وما ذكر بعده هو الموعود به، ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، كما أن ذكر القول بعد الوعد من العام بعد الخاص، قاله الكرماني. قوله: (ولقاؤك حق) فيه الإقرار بالبعث بعد الموت، وهو عبارة عن مآل الخلق في الدار الآخرة بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال. وقيل: معنى " لقاؤك حق " أي الموت، وأبطله النووي. قوله: (وقولك حق) تقدم ما فيه. قوله: (والجنة حق والنار حق) فيه إشارة إلى أنهما موجودتان، وسيأتي البحث فيه في بدء الخلق. قوله: (ومحمد صلى الله عليه وسلم حق) خصه بالذكر تعظيما له، وعطفه على النبيين إيذانا بالتغاير بأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة وجرده عن ذاته كأنه غيره، ووجب عليه الإيمان به وتصديقه مبالغة في إثبات نبوته كما في التشهد. قوله: (والساعة حق) أي: يوم القيامة، وأصل الساعة: القطعة من الزمان، وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها وأنها مما يجب أن يصدق بها.و تكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد. قوله: (اللهم لك أسلمت) أي: انقدت وخضعت، (وبك آمنت) أي: صدقت، (وعليك توكلت) أي: فوضت الأمر إليك تاركا للنظر في الأسباب العادية، (وإليك أنبت) : أي رجعت إليك في تدبير أمري. قوله: (وبك خاصمت) أي: بما أعطيتني من البرهان، وبما لقنتني من الحجة. قوله: (وإليك حاكمت) أي: كل من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحكم بيننا، لا من كانت الجاهلية تتحاكم إليه من كاهن ونحوه.(3/5) وقدم مجموع صلات هذه الأفعال عليها إشعارا بالتخصيص وإفادة للحصر، وكذا قوله: (ولك الحمد) و قوله: (فاغفر لي) قال ذلك مع كونه مغفورا له، إما على سبيل التواضع والهضم لنفسه وإجلالا وتعظيما لربه، أو على سبيل التعليم لأمته لتقتدي به كذا قيل، والأولى أنه لمجموع ذلك، وإلا لو كان للتعليم فقط لكفى فيه أمرهم بأن يقولوا. قوله: (وما قدمت) أي: قبل هذا الوقت (وما أخرت) عنه. قوله: (وما أسررت وما أعلنت) أي: أخفيت وأظهرت، أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني. زاد في التوحيد من طريق ابن جريج عن سليمان " وما أنت أعلم به مني " وهو من العام بعد الخاص أيضا. قوله: (أنت المقدم وأنت المؤخر) قال المهلب: أشار بذلك إلى نفسه لأنه المقدم في البعث في الآخرة والمؤخر في البعث في الدنيا. زاد في رواية ابن جريج أيضا في الدعوات " أنت إلهي لا إله لي غيرك". قال الكرماني: هذا الحديث من جوامع الكلم، لأن لفظ القيم إشارة إلى أن وجود الجواهر وقوامها منه، والنور إلى أن الأعراض أيضا منه، والملك إلى أنه حاكم عليها إيجادا وإعداما يفعل ما يشاء، وكل ذلك من نعم الله على عباده، فلهذا قرن كلا منها بالحمد وخصص الحمد به. ثم قوله " أنت الحق " إشارة إلى المبدأ، والقول ونحوه إلى المعاش، والساعة ونحوها إشارة إلى المعاد، وفيه الإشارة إلى النبوة وإلى الجزاء ثوابا وعقابا ووجوب الإيمان والإسلام والتوكل والإنابة والتضرع إلى الله والخضوع له انتهى. وفيه زيادة معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بعظمة ربه وعظيم قدرته ومواظبته على الذكر والدعاء والثناء على ربه والاعتراف له بحقوقه والإقرار بصدق وعده ووعيده، وفيه استحباب تقديم الثناء على المسألة عند كل مطلوب اقتداء به صلى الله عليه وسلم. قوله: (قال سفيان، وزاد عبد الكريم أبو أمية) هذا موصول بالإسناد الأول ووهم من زعم أنه معلق، وقد بين ذلك الحميدي في مسنده عن سفيان قال " حدثنا سليمان الأحول خال ابن أبي نجيح سمعت طاوسا " فذكر الحديث وقال في آخره " قال سفيان: وزاد فيه عبد الكريم ولا حول ولا قوة إلا بك " ولم يقلها سليمان. وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل القاضي، عن علي بن عبد الله بن المديني شيخ البخاري فيه فقال في آخره: قال سفيان: وكنت إذا قلت لعبد الكريم آخر حديث سليمان " ولا إله غيرك " قال " ولا حول ولا قوة إلا بالله " قال سفيان: وليس هو في حديث سليمان انتهى.
ومقتضى ذلك أن عبد الكريم لم يذكر إسناده في هذه الزيادة لكنه على الاحتمال. ولا يلزم من عدم سماع سفيان لها من سليمان أن لا يكون سليمان حدث بها، وقد وهم بعض أصحاب سفيان فأدرجها في حديث سليمان أخرجه الإسماعيلي، عن الحسن بن سفيان، عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن سفيان فذكرها في آخر الخبر بغير تفصيل، وليس لعبد الكريم أبي أمية - وهو ابن أبي المخارق - في صحيح البخاري إلا هذا الموضع، ولم يقصد البخاري التخريج له فلأجل ذلك لا يعدونه في رجاله، وإنما وقعت عنه زيادة في الخبر غير مقصودة لذاتها كما تقدم مثله للمسعودي في الاستسقاء، وسيأتي نحوه للحسن بن عمارة في البيوع، وعلم المزي على هؤلاء علامة التعليق وليس بجيد، لأن الرواية عنهم موصولة، إلا أن البخاري لم يقصد التخريج عنهم، ومن هنا يعلم أن قول المنذري: قد استشهد البخاري بعبد الكريم أبي أمية في كتاب التهجد ليس بجيد لأنه لم يستشهد به إلا إن أراد بالاستشهاد مقابل الاحتجاج فله وجه، وأما قول ابن طاهر: أن البخاري ومسلما أخرجا لعبد الكريم هذا في الحج حديثا واحدا عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن علي في القيام على البدن من رواية ابن عيينة، عن عبد الكريم فهو غلط منه، فإن عبد الكريم المذكور هو الجزري. والله المستعان. قوله: (قال سفيان) هو موصول أيضا، وإنما أراد سفيان بذلك بيان سماع سليمان له من طاوس لإيراده له أولا بالعنعنة.(3/6) ووقع في رواية الحميدي التصريح بالسماع كما تقدم. ولأبي ذر وحده هنا قال علي بن خشرم، قال سفيان إلخ. ولعل هذه الزيادة عن الفربري فإن علي بن خشرم لم يذكروه في شيوخ البخاري، وأما الفربري فقد سمع من علي بن خشرم كما سيأتي في أحاديث الأنبياء في قصة موسى والخضر، فكأن هذا الحديث أيضا كان عنده عاليا عن علي بن خشرم، عن سفيان فذكره لأجل العلو. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب فضل قيام الليل) أورد فيه حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في رؤياه، وفيه " فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا " وظاهره أن قوله " فكان بعد لا ينام إلخ " من كلام سالم، لكن وقع في التعبير من رواية البخاري عن عبد الله بن محمد شيخه هنا بإسناده هذا " قال الزهري: فكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل " ومقتضاه أن في السياق الأول إدراجا، لكن أورده في المناقب من رواية عبد الرزاق وفي آخره " قال سالم: وكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا " فظهر أن لا إدراج فيه، وأيضا فكلام سالم في ذلك مغاير لكلام الزهري فانتفى الإدراج عنه أصلا ورأسا، وشاهد الترجمة قوله " نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل " فمقتضاه أن من كان يصلي من الليل يوصف بكونه نعم الرجل. وفي رواية نافع، عن ابن عمر في التعبير " أن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل " وهو أبين في المقصود، وكأن المصنف لم يصح عنده حديث صريح في هذا الباب فاكتفى بحديث ابن عمر، وقد أخرج فيه مسلم حديث أبي هريرة " أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " وكأن البخاري توقف فيه للاختلاف في وصله وإرساله وفي رفعه ووقفه. الحديث: -1121-حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح، و حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ، وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ. قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ). -1122- (فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ. فَكَانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا) الشرح: قوله: (حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، ومحمود هو ابن غيلان. قوله: (كان الرجل) اللام للجنس ولا مفهوم له وإنما ذكر للغالب. قوله: (فتمنيت أن أرى) في رواية الكشميهني " أني أرى " وزاد في التعبير من وجه آخر " فقلت في نفسي لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء " ويؤخذ منه أن الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها. قوله: (كأن ملكين) لم أقف على تسميتهما.(3/7) قوله: (فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية) في رواية أيوب، عن نافع، الآتية قريبا " كأن اثنين أتياني أرادا أن يذهبا بي إلى النار فتلقاهما ملك فقال: لن تراع، خليا عنه " وظاهر هذا أنهما لم يذهبا به، ويجمع بينهما بحمل الثاني على إدخاله فيها فالتقدير أن يذهبا بي إلى النار فيدخلاني فيها، فلما نظرتها فإذا هي مطوية، ورأيت من فيها واستعذت، فلقينا ملك آخر. قوله: (فإذا هي مطوية) أي: مبنية، والبئر قبل أن تبنى تسمى قليبا. قوله: (وإذا لها قرنان) هكذا للجمهور، وحكى الكرماني: أن في نسخة " قرنين " فأعربها بالجر أو بالنصب على أن فيه شيئا مضافا حذف، وترك المضاف إليه على ما كان عليه، وتقديره: فإذا لها مثل قرنين، وهو كقراءة من قرأ والمراد بالقرنين هنا: خشبتان أو بناءان تمد عليهما الخشبة العارضة التي تعلق فيها الحديدة التي فيها البكرة، فإن كانا من بناء فهما القرنان وإن كانا من خشب فهما الزرنوقان بزاي منقوطة قبل المهملة ثم نون ثم قاف، وقد يطلق على الخشبة أيضا القرنان. وسيأتي مزيد لذلك في شرح حديث أبي أيوب في غسل المحرم في " باب الاغتسال للمحرم " من كتاب الحج. قوله: (وإذا فيها أناس قد عرفتهم) لم أقف على تسمية أحد منهم. قوله: (لم ترع) بضم أوله وفتح الراء بعدها مهملة ساكنة أي لم تخف، والمعنى: لا خوف عليك بعد هذا. وفي رواية الكشميهني: في التعبير " لن تراع " وهي رواية الجمهور بإثبات الألف، ووقع في رواية القابسي " لن ترع " بحذف الألف. قال ابن التين: وهي لغة قليلة - أي الجزم بلن - حتى قال القزاز: لا أعلم له شاهدا. وتعقب بقول الشاعر: لن يخب الآن من رجائك من * حرك من دون بابك الحلقة وبقول الآخر: ولن يحل للعينين بعدك منظر. وزاد فيه " إنك رجل صالح " وسيأتي بعد بضعة عشر بابا بزيادة فيه ونقصان. قال القرطبي: إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ما هو ممدوح لأنه عرض على النار ثم عوفي منها، وقيل له لا روع عليك وذلك لصلاحه، غير أنه لم يكن يقوم من الليل فحصل لعبد الله من ذلك تنبيه على أن قيام الليل بما يتقي به النار والدنو منها فلذلك لم يترك قيام الليل بعد ذلك. وأشار المهلب إلى أن السر في ذلك كون عبد الله كان ينام في المسجد ومن حق المسجد أن يتعبد فيه فنبه على ذلك بالتخويف بالنار. قوله: (لو كان) لو للتمني لا للشرط ولذلك لم يذكر الجواب، وفي هذا الحديث أن قيام الليل يدفع العذاب، وفيه تمني الخير والعلم، وسيأتي باقي الكلام عليه مستوفى في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى. (تنبيه) : سياق هذا المتن على لفظ محمود، وأما سياق عبد الله بن محمد فسيأتي في التعبير، وأغفل المزي في الأطراف طريق محمود هذه وهي واردة عليه. *3*3_ الشرح: قوله: (باب طول السجود في قيام الليل) أورد فيه حديث عائشة وفيه " كان يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية " وهو دال على ما ترجم له، وقد تقدم من حديثها في أبواب صفة الصلاة أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي " وفي مسند أحمد، من طريق محمد بن عباد، عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الليل في سجوده: سبحانك لا إله إلا أنت " رجاله ثقات. الحديث: -1123- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلَاتَهُ، يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ. ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُنَادِي لِلصَّلَاةِ. الشرح: قوله: (ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يضطجع) سيأتي الكلام عليه في آخر أبواب التهجد إن شاء الله تعالى.(3/8) *3*4_ الشرح: قوله: (باب ترك القيام) أي قيام المريض. الحديث: -1124_حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا، يَقُولُ: اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ. الشرح: قوله: (عن الأسود) هو: ابن قيس، وجندب هو: ابن عبد الله البجلي كما في الإسناد الذي بعده، وسفيان هو: الثوري فيهما، ووهم من زعم أنه: ابن عيينة. ووقع التصريح بسماع الأسود، له من جندب، في طريق زهير عنه في التفسير. قوله: (اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم) أي مرض، ووقع في رواية قيس بن الربيع التي سيأتي التنبيه عليها بلفظ " مرض " ولم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تفسير هذه الشكاية، لكن وقع في الترمذي من طريق ابن عيينة، عن الأسود، في أول هذا الحديث عن جندب، قال: " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار، فدميت إصبعه فقال: هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت". قال: " وأبطأ عليه جبريل فقال المشركون قد ودع محمد فأنزل الله قوله: (فلم يقم ليلة أو ليلتين) هكذا اختصره المصنف وقد ساقه في فضائل القرآن تاما الحديث: -1124-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَبْطَأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ، فَنَزَلَتْ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى. الشرح: أخرجه عن أبي نعيم شيخه فيه هنا بإسناده المذكور فزاد " فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله تعالى (والضحى) إلى قوله: (وما قلى)"، ثم أخرجه المصنف هنا عن محمد بن كثير، عن سفيان، بلفظ آخر وهو: " احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت امرأة من قريش " الحديث. (3/9) وقد وافق أبا نعيم أبو أسامة عند أبي عوانة، ووافق محمد بن كثير وكيـع عند الإسماعيلي، ورواية زهير التي أشرنا إليها في التفسير كرواية أبي نعيم، لكن قال فيها " فلم يقم ليلة أو ليلتين أو ثلاثا " ورواية ابن عيينة، عن الأسود عند مسلم كرواية محمد بن كثير، فالظاهر أن الأسود حدث به على الوجهين فحمل عنه كل واحد ما لم يحمله الآخر، وحمل عنه سفيان الثوري الأمرين فحدث به مرة هكذا ومرة هكذا، وقد رواه شعبة عن الأسود على لفظ آخر أخرجه المصنف في التفسير قال " قالت امرأة: يا رسول الله ما أرى صاحبك إلا أبطأ عنك". وزاد النسائي في أوله " أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت امرأة " الحديث. وهذه المرأة فيما ظهر لي غير المرأة المذكورة في حديث سفيان، لأن هذه المرأة عبرت بقولها " صاحبك " وتلك عبرت بقولها " شيطانك". وهذه عبرت بقولها " يا رسول الله " وتلك عبرت بقولها " يا محمد". وسياق الأولى يشعر بأنها قالته تأسفا وتوجعا - وسياق الثانية يشعر بأنها قالته تهكما وشماتة. وقد حكى ابن بطال عن تفسير بقي بن مخلد قال " قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم حين أبطأ عنه الوحي: إن ربك قد قلاك، فنزلت والضحى " وقد تعقبه ابن المنير ومن تبعه بالإنكار، لأن خديجة قوية الإيمان لا يليق نسبة هذا القول إليها، لكن إسناد ذلك قوي أخرجه إسماعيل القاضي في أحكامه والطبري في تفسيره وأبو داود في أعلام النبوة له كلهم من طريق عبد الله بن شداد بن الهاد وهو من صغار الصحابة والإسناد إليه صحيح، وأخرجه أبو داود، أيضا من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، لكن ليس عند أحد منهم أنها عبرت بقولها " شيطانك " وهذه هي اللفظة المستنكرة في الخبر. وفي رواية إسماعيل وغيره " ما أرى صاحبك " بدل " ربك " والظاهر أنها عنت بذلك جبريل. وأغرب سنيد بن داود فيما حكاه ابن بشكوال فروى في تفسيره عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة، قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وغلط سنيد في ذلك فقد رواه الطبري عن أبي كريب، عن وكيع، فقال فيه " قالت خديجة " وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم، من طريق أبي معاوية، عن هشام، وأما المرأة المذكورة في حديث سفيان التي عبرت بقولها " شيطانك " فهي أم جميل العوراء بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وهي أخت أبي سفيان بن حرب وامرأة أبي لهب كما روى الحاكم من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال " قالت امرأة أبي لهب لما مكث النبي صلى الله عليه وسلم أياما لم ينزل عليه الوحي: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد قلاك، فنزلت والضحى " رجاله ثقات وفي تفسير الطبري من طريق المفضل بن صالح، عن الأسود، في حديث الباب " فقالت امرأة من أهله ومن قومه " ولا شك أن أم جميل من قومه لأنها من بني عبد مناف. وعند ابن عساكر أنها إحدى عماته، وقد وقفت على مستنده في ذلك، وهو ما أخرجه قيس بن لربيع، في مسنده عن الأسود بن قيس راويه، وأخرجه الفريابي شيخ البخاري في تفسيره عنه ولفظه " فأتته إحدى عماته أو بنات عمه فقالت: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد ودعك". (تنبيه) : استشكل أبو القاسم بن الورد مطابقة حديث جندب للترجمة، وتبعه ابن التين فقال: احتباس جبريل ليس ذكره في هذا الباب في موضعه انتهى. وقد ظهر بسياق تكملة المتن وجه المطابقة، وذلك أنه أراد أن ينبه على أن الحديث واحد لاتحاد مخرجه وإن كان السبب مختلفا لكنه في قصة واحدة كما أوضحناه، وسيأتي بقية الكلام على حديث جندب في التفسير إن شاء الله تعالى. وقد وقع في رواية قيس بن الربيع التي ذكرتها " فلم يطق القيام وكان يحب التهجد".(3/10) *3*5_ وَطَرَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا عَلَيْهِمَا السَّلَام لَيْلَةً لِلصَّلَاةِ الشرح: قوله: (باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أمته أو المؤمنين (على قيام الليل) في رواية الأصيلي وكريمة " صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب " قال ابن المنير: اشتملت الترجمة على أمرين: التحريض، ونفي الإيجاب. فحديث أم سلمة وعلي للأول، وحديث عائشة للثاني. قلت: بل يؤخذ من الأحاديث الأربعة نفي الإيجاب، ويؤخذ التحريض من حديثي عائشة من قولها " كان يدع العمل وهو يحبه " لأن كل شيء أحبه استلزم التحريض عليه لولا ما عارضه من خشية الافتراض كما سيأتي تقريره، وقد تقدم حديث أم سلمة والكلام عليه في كتاب العلم. قال ابن رشيد: كأن البخاري فهم أن المراد بالإيقاظ الإيقاظ للصلاة لا لمجرد الإخبار بما أنزل، لأنه لو كان لمجرد الإخبار لكان يمكن تأخيره إلى النهار لأنه لا يفوت. قال: ويحتمل أن يقال إن لمشاهدة حال المخبر حينئذ أثرا لا يكون عند التأخير، فيكون الإيقاظ في الحال أبلغ لوعيهن ما يخبرهن به ولسمعهن ما يعظهن به. ويحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله " قيام الليل " ما هو أعم من الصلاة والقراءة والذكر وسماع الموعظة والتفكر في الملكوت وغير ذلك، ويكون قوله " والنوافل " من عطف الخاص على العام. قلت: وهذا على رواية الأكثر كما بينته، لا على رواية الأصيلي وكريمة.(3/11) وما نسبه إلى فهم البخاري أولا هو المعتمد، فإنه وقع في رواية شعيب، عن الزهري، عند المصنف في الأدب وغيره في هذا الحديث " من يوقظ صواحب الحجر " يريد أزواجه حتى يصلين، فظهرت مطابقة الحديث للترجمة، وأن فيه التحريض على صلاة الليل، وعدم الإيجاب يؤخذ من ترك إلزامهن بذلك. وجرى البخاري على عادته في الحوالة على ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده، وستأتي بقية فوائد حديث أم سلمة في الفتن. وعبد الله المذكور في إسناده هو ابن المبارك، وأما حديث علي فعلي بن الحسين المذكور في إسناده هو: زين العابدين، وهذا من أصح الأسانيد ومن أشرف التراجم الواردة فيمن روى عن أبيه، عن جده. وحكى الدارقطني أن كاتب الليث رواه عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، فقال " عن علي بن الحسين، عن الحسن بن علي " وكذا وقع في رواية حجاج بن أبي منيع، عن جده الزهري، في تفسير ابن مردويه، وهو وهم والصواب " عن الحسين " ويؤيده رواية حكيم بن حكيم، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه، أخرجها النسائي والطبري. الحديث: -1126_حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتْنَةِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ؟ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ. الشرح: حديث أم سلمة تقدم الكلام عليه في كتاب العلم. الحديث: -1127_حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام لَيْلَةً فَقَالَ أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جدلاً. الشرح: قوله: (طرقه وفاطمة) بالنصب عطفا على الضمير، والطروق الإتيان بالليل، وعلى هذا فقوله ليلة للتأكيد. وحكى ابن فارس أن معنى " طرق " أتى، فعلى هذا يكون قوله " ليلة " لبيان وقت المجيء. ويحتمل أن يكون المراد بقوله ليلة أي: مرة واحدة. قوله: (ألا تصليان) قال ابن بطال: فيه فضيلة صلاة الليل وإيقاظ النائمين من الأهل والقرابة لذلك. ووقع في رواية حكيم بن حكيم المذكورة " ودخل النبي صلى الله عليه وسلم علي وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة، ثم رجع إلى بيته فصلى هوياً من الليل فلم يسمع لنا حساً، فرجع إلينا فأيقظنا " الحديث. قال الطبري: لولا ما علم النبي صلى الله عليه وسلم من عظم فضل الصلاة في الليل ما كان يزعج ابنته وابن عمه في وقت جعله الله لخلقه سكناً، لكنه اختار لهما إحراز تلك الفضيلة على الدعة والسكون امتثالا لقوله تعالى قوله: (أنفسنا بيد الله) اقتبس علي ذلك من قوله تعالى ووقع في رواية حكيم المذكورة " قال علي: فجلست وأنا أعرك عيني وأنا أقول: والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا، إنما أنفسنا بيد الله " وفيه إثبات المشيئة لله، وأن العبد لا يفعل شيئاً إلا بإرادة الله. قوله: (بعثنا) بالمثلثة أي أيقظنا، وأصله إثارة الشيء من موضعه. قوله: (حين قلت) في رواية كريمة " حين قلنا". قوله: (ولم يرجع) بفتح أوله أي: لم يجبني، وفيه أن: السكوت يكون جوابا، والإعراض عن القول الذي لا يطابق المراد وإن كان حقا في نفسه. قوله: (يضرب فخذه) فيه جواز ضرب الفخذ عند التأسف. وقال ابن التين: كره احتجاجه بالآية المذكورة، وأراد منه أن ينسب التقصير إلى نفسه. وفيه جواز الانتزاع من القرآن، وترجيح قول من قال إن اللام في قوله: (وكان الإنسان) للعموم لا لخصوص الكفار. وفيه منقبة لعلي حيث لم يكتم ما فيه عليه أدنى غضاضة فقدم مصلحة نشر العلم وتبليغه على كتمه. ونقل ابن بطال، عن المهلب، قال: فيه أنه ليس للإمام أن يشدد في النوافل حيث قنع صلى الله عليه وسلم بقول علي رضي الله عنه: " أنفسنا بيد الله " لأنه كلام صحيح في العذر عن التنفل، ولو كان فرضا ما عذره. قال: وأما ضربه فخذه وقراءته الآية فدال على أنه ظن أنه أحرجهم فندم على إنباههم، كذا قال، وأقره ابن بطال، وليس بواضح، وما تقدم أولى. وقال النووي: المختار أنه ضرب فخذه تعجبا من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار بما اعتذر به، والله أعلم. وأما حديث عائشة الأول فيشتمل على حديثين: أحدهما ترك العمل خشية افتراضه. ثانيهما ذكر صلاة الضحى. وهذا الثاني سيأتي الكلام عليه في " باب من لم يصل الضحى". وقوله في الأول (إن) بكسر الهمزة وهي المخففة من الثقيلة، وفيها ضمير الشأن.(3/12) الحديث: -1128_حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شهاب، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة رضي اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا. الشرح: قوله: (ليدع) بفتح اللام أي: يترك، و قوله: (خشية) النصب متعلق بقوله ليدع، و قوله: (فيفرض) بالنصب عطفا على يعمل، وسيأتي الكلام على فوائده في الحديث الذي بعده. وزاد فيه مالك في الموطأ " قالت وكان يحب ما خف على الناس". وأما حديث عائشة الثاني فهو بإسناد الذي قبله. الحديث: -1129_حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. الشرح: و قوله: (صلى ذات ليلة في المسجد) تقدم قبيل صفة الصلاة من رواية عمرة، عن عائشة، " أنه صلى في حجرته " وليس المراد بها بيته وإنما المراد الحصير التي كان يحتجرها بالليل في المسجد فيجعلها على باب بيت عائشة فيصلي فيه ويجلس عليه بالنهار، وقد ورد ذلك مبينا من طريق سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة، وهو عند المصنف في كتاب اللباس ولفظه " كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه " ولأحمد، من طريق محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة " فأمرني أن أنصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت فخرج " فذكر الحديث. قال النووي: معنى يحتجر يحوط موضعا من المسجد بحصير يستره ليصلي فيه ولا يمر بين يديه مار ليتوفر خشوعه ويتفرغ قلبه. وتعقبه الكرماني بأن لفظ الحديث لا يدل على أن احتجاره كان في المسجد قال: ولو كان كذلك للزم منه أن يكون تاركا للأفضل الذي أمر الناس به حيث قال " فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " ثم أجاب بأنه إن صح أنه كان في المسجد فهو إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصيته، أو أن السبب في كون صلاة التطوع في البيت أفضل عدم شوبه بالرياء غالبا، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن الرياء في بيته وفي غير بيته. قوله: (ثم صلى من القابلة) أي من الليلة المقبلة، وهو لفظ معمر، عن ابن شهاب، عند أحمد. وفي رواية المستملي " ثم صلى من القابل " أي الوقت. قوله: (ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة) كذا رواه مالك بالشك. وفي رواية عقيل، عن ابن شهاب كما تقدم في الجمعة " فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا " ولمسلم، من رواية يونس، عن ابن شهاب، " يتحدثون بذلك " ونحوه في رواية عمرة، عن عائشة، الماضية قبل الصلاة، ولأحمد، من رواية ابن جريج، عن ابن شهاب، " فلما أصبح تحدثوا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد من جوف الليل، فاجتمع أكثر منهم " زاد يونس " فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا معه، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله " ولابن جريج " حتى كان المسجد يعجز عن أهله " ولأحمد، من رواية معمر، عن ابن شهاب، " امتلأ المسجد حتى اغتص بأهله " وله من رواية سفيان بن حسين، عنه، " فلما كانت الليلة الرابعة غص المسجد بأهله". قوله: (فلم يخرج) زاد أحمد، في رواية ابن جريج، " حتى سمعت ناسا منهم يقولون: الصلاة " وفي رواية سفيان بن حسين " فقالوا ما شأنه " وفي حديث زيد بن ثابت كما سيأتي في الاعتصام " ففقدوا صوته وظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم " وفي حديثه في الأدب " فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب". قوله: (فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم) في رواية عقيل " فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم " وفي رواية يونس وابن جريج " لم يخف علي شأنكم " وزاد في رواية أبي سلمة " اكلفوا من العمل ما تطيقون " وفي رواية معمر أن الذي سأله عن ذلك بعد أن أصبح عمر بن الخطاب، ولم أر في شيء من طرقه بيان عدد صلاته في تلك الليالي، لكن روى ابن خزيمة وابن حبان، من حديث جابر،قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ثمان ركعات ثم أوتر، فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا حتى أصبحنا، ثم دخلنا فقلنا: يا رسول الله " الحديث، فإن كانت القصة واحدة احتمل أن يكون جابر ممن جاء في الليلة الثالثة فلذلك اقتصر على وصف ليلتين، وكذا ما وقع عند مسلم، من حديث أنس، " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه،فجاء رجل فقام حتى كنا رهطاً، فلما أحس بنا تجوز ثم دخل رحله " الحديث، والظاهر أن هذا كان في قصة أخرى.(3/13) قوله: (إلا أني خشيت أن تفرض عليكم) ظاهر في أن عدم خروجه إليهم كان لهذه الخشية، لا لكون المسجد امتلأ وضاق عن المصلين. قوله: (أن تفرض عليكم) في رواية عقيل وابن جريج، " فتعجزوا عنها " وفي رواية يونس، " ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها"، وكذا في رواية أبي سلمة، المذكورة قبيل صفة الصلاة " خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل" وقوله "فتعجزوا عنها " أي: تشق عليكم فتتركوها مع القدرة عليها، وليس المراد العجز الكلي لأنه يسقط التكليف من أصله. ثم إن ظاهر هذا الحديث أنه: صلى الله عليه وسلم توقع ترتب افتراض الصلاة بدليل جماعة على وجود المواظبة عليها، وفي ذلك إشكال، وقد بناه بعض المالكية على قاعدتهم في أن الشروع ملزم وفيه نظر، وأجاب المحب الطبري بأنه: يحتمل أن يكون الله عز وجل أوحى إليه أنك إن واظبت على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم فأحب التخفيف عنهم فترك المواظبة، قال: ويحتمل أن يكون ذلك وقع في نفسه كما اتفق في بعض القرب التي داوم عليها فافترضت، وقيل: خشي أن يظن أحد من الأمة من مداومته عليها الوجوب، وإلى هذا الأخير نحا القرطبي فقال: قوله: " فتفرض عليكم " أي تظنونه فرضا فيجب على من ظن ذلك، كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه فإنه يجب عليه العمل به. قال: وقيل: كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا واظب على شيء من أعمال البر واقتدى الناس به فيه أنه يفرض عليهم انتهى. ولا يخفى بعد هذا الأخير، فقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم على رواتب الفرائض وتابعه أصحابه ولم تفرض. وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم لما كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته فخشي إن خرج إليهم والتزموا معه قيام الليل أن يسوي الله بينه وبينهم في حكمه، لأن الأصل في الشرع المساواة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته في العبادة. قال: ويحتمل أن يكون خشي من مواظبتهم عليها أن يضعفوا عنها فيعصي من تركها بترك اتباعه صلى الله عليه وسلم. وقد استشكل الخطابي أصل هذه الخشية مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن الله تعالى قال: " هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي " فإذا أمن التبديل فكيف يقع الخوف من الزيادة؟ وهذا يدفع في صدور الأجوبة التي تقدمت. وقد أجاب عنه الخطابي بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم، وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها - يعني عند المواظبة - فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك في الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فتجب عليه، ولا يلزم من ذلك زيادة فرض في أصل الشرع. قال: وفيه احتمال آخر، وهو أن الله فرض الصلاة خمسين ثم حط معظمها بشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم منه لم يستنكر أن يثبت ذلك فرضا عليهم، كما التزم ناس الرهبانية من قبل أنفسهم ثم عاب الله عليهم التقصير فيها فقال: وأجاب الكرماني بأن حديث الإسراء يدل على أن المراد بقوله تعالى: (لا يبدل القول لدي) الأمن من نقص شيء من الخمس، ولم يتعرض للزيادة انتهى.(3/14) لكن في ذكر التضعيف بقوله: " هن خمس وهن خمسون " إشارة إلى عدم الزيادة أيضا، لأن التضعيف لا ينقص عن العشر، ودفع بعضهم في أصل السؤال بأن الزمان كان قابلا للنسخ فلا مانع من خشية الافتراض،وفيه نظر لأن قوله: (لا يبدل القول لدي) خبر والنسخ لا يدخله على الراجح، وليس هو كقوله مثلا لهم صوموا الدهر أبدا فإنه يجوز فيه النسخ. وقد فتح الباري بثلاثة أجوبة أخرى: أحدها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام الليل، بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في صحة التنفل بالليل، ويومئ إليه في قوله في حديث زيد بن ثابت " حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم " فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم. ثانيها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان، فلا يكون ذلك زائدا على الخمس، بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها. ثالثها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة، فقد وقع في حديث الباب أن ذلك كان في رمضان. وفي رواية سفيان بن حسين،" خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر"، فعلى هذا يرتفع الإشكال، لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم في السنة فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس. وأقوى هذه الأجوبة الثلاثة في نظري الأول، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم ندب قيام الليل ولا سيما في رمضان جماعة، لأن الخشية المذكورة أمنت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك جمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب كما سيأتي في الصيام إن شاء الله تعالى. وفيه جواز الفرار من قدر الله إلى قدر الله قاله المهلب. وفيه أن الكبير إذا فعل شيئا خلاف ما اعتاده أتباعه أن يذكر لهم عذره وحكمه والحكمة فيه. وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الزهادة في الدنيا والاكتفاء بما قل منها والشفقة على أمته والرأفة بهم. وفيه ترك بعض المصالح لخوف المفسدة وتقديم أهم المصلحتين. وفيه جواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة كما تقدم وفيه نظر لأن نفي النية لم ينقل ولا يطلع عليه بالظن. وفيه ترك الأذان والإقامة للنوافل إذا صليت جماعة. *3*6_ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ يَقُومُ حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ. وَالْفُطُورُ: الشُّقُوقُ. انْفَطَرَتْ: انْشَقَّتْ. الشرح: قوله: (باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل) كذا للكشميهني من طريقين عنه، وزاد في رواية كريمة " حتى ترم قدماه " وللباقين " قيام الليل للنبي صلى الله عليه وسلم". قوله: (وقالت عائشة: كان يقوم) كذا للكشميهني، ولغيره " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: (حتى تفطر) بتاء واحدة، وفي رواية الأصيلي " تنفطر " بمثناتين. قوله: (والفطور: الشقوق) كذا ذكره أبو عبيدة في المجاز. قوله: (انفطرت: انشقت) هذا التفسير رواه ابن أبي حاتم موصولا عن الضحاك، قال: وروي عن مجاهد، والحسن، وغيرهما ذلك، وكذا حكاه إسماعيل بن أبي زياد الشامي، عن ابن عباس، وحديث عائشة وصله المصنف في تفسير سورة الفتح.(3/15) الحديث: -1130-حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ- أو لِيُصَلِّيَ- حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ -أَوْ سَاقَاهُ -فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟. الشرح: قوله: (عن زياد) هو ابن علاقة، وللمصنف في الرقاق عن خلاد بن يحيى، عن مسعر، " حدثنا زياد بن علاقة". (تنبيه) : هكذا رواه الحفاظ من أصحاب مسعر عنه، وخالفهم محمد بن بشر وحده فرواه عن مسعر، عن قتادة، عن أنس، أخرجه البزار وقال: الصواب عن مسعر، عن زياد، وأخرجه الطبراني في الكبير من رواية أبي قتادة الحراني، عن، مسعر، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة، وأخطأ فيه أيضاً، والصواب مسعر، عن زياد بن علاقة. قوله: (إن كان ليقوم أو ليصلي) إن مخففة من الثقيلة و " ليقوم " بفتح اللام. وفي رواية كريمة " ليقوم يصلي". وفي حديث عائشة " كان يقوم من الليل". قوله: (حتى ترم) بفتح المثناة وكسر الراء وتخفيف الميم بلفظ المضارع من الورم هكذا سمع وهو نادر. وفي رواية خلاد بن يحيى " حتى ترم أو تنتفخ قدماه". وفي رواية أبي عوانة، عن زياد، عند الترمذي، " حتى انتفخت قدماه". قوله: (قدماه أو ساقاه) وفي رواية خلاد " قدماه " ولم يشك، وللمصنف في تفسير الفتح " حتى تورمت " وللنسائي من حديث أبي هريرة " حتى تزلع قدماه " بزاي وعين مهملة، ولا اختلاف بين هذه الروايات: فإنه إذا حصل الانتفاخ أو الورم حصل الزلع والتشقق والله أعلم. قوله: (فيقال له) لم يذكر المقول ولم يسم القائل، وفي تفسير الفتح " فقيل له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر " وفي رواية أبي عوانة " فقيل له: أتتكلف هذا " وفي حديث عائشة " فقالت له عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك " وفي حديث أبي هريرة، عند البزار " فقيل له تفعل هذا وقد جاءك من الله أن قد غفر لك". قوله: (أفلا أكون) في حديث عائشة " أفلا أحب أن أكون " (عبدا شكورا) وزادت فيه " فلما كثر لحمه صلى جالسا " الحديث، والفاء في قوله " أفلا أكون " للسببية، وهي عن محذوف تقديره أأترك تهجدي فلا أكون عبدا شكورا، والمعنى أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا فكيف أتركه؟ قال ابن بطال: في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة وإن أضر ذلك ببدنه، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف بمن لم يعلم بذلك فضلا عمن لم يأمن أنه استحق النار.انتهى. ومحل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال، لأن حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال، فكان لا يمل من عبادة ربه وإن أضر ذلك ببدنه، بل صح أنه قال: " وجعلت قرة عيني في الصلاة " كما أخرجه النسائي، من حديث أنس، فأما غيره صلى الله عليه وسلم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: " خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا". وفيه مشروعية الصلاة للشكر، وفيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان كما قال الله تعالى: وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الاجتهاد في العبادة والخشية من ربه، قال العلماء: إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة الخوف لعلمهم بعظيم نعمة الله تعالى عليهم وأنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها،فبذلوا مجهودهم في عبادته ليؤدوا بعض شكره، مع أن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد.والله أعلم.(3/16) (تكملة) : قيل أخرج البخاري هذا الحديث لينبه على أن قيام جميع الليل غير مكروه ولا تعارضه الأحاديث الآتية بخلافه، لأنه يجمع بينها بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على قيام جميع الليل، بل كان يقوم وينام كما أخبر عن نفسه وأخبرت عنه عائشة أيضا، وسيأتي نقل الخلاف في إيجاب قيام الليل في " باب عقد الشيطان " إن شاء الله تعالى. *3*7_ الشرح: قوله: (باب من نام عند السحر) في رواية الأصيلي والكشميهني " السحور " ولكل منهما وجه، والأول أوجه. وأورد المصنف فيه ثلاثة أحاديث: أحدها: لعبد الله بن عمرو، والآخران: لعائشة. الحديث: -1131-حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. الشرح: قوله في حديث عبد الله بن عمر: (أن عمرو بن أوس أخبره) أي ابن أبي أوس الثقفي الطائفي وهو تابعي كبير، ووهم من ذكره في الصحابة وإنما الصحبة لأبيه. قوله: (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود) قال المهلب: كان داود عليه السلام يجم نفسه بنوم أول الليل ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه: هل من سائل فأعطيه سؤله، ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل، وهذا هو النوم عند السحر كما ترجم به المصنف، وإنما صارت هذه الطريقة أحب من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يخشى منها السآمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يمل حتى تملوا " والله أحب أن يديم فضله ويوالي إحسانه، وإنما كان ذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح البدن ويذهب ضرر السهر ودبول الجسم، بخلاف السهر إلى الصباح. وفيه من المصلحة أيضا استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبال، وأنه أقرب إلى عدم الرياء لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى فهو أقرب إلى أن يخفي عمله الماضي على من يراه، أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد، وحكي عن قوم أن معنى قوله: " أحب الصلاة " هو بالنسبة إلى من حاله مثل حال المخاطب بذلك وهو من يشق عليه قيام أكثر الليل، قال: وعمدة هذا القائل اقتضاء القاعدة: زيادة الأجر بسبب زيادة العمل، لكن يعارضه هنا اقتضاء العادة والجبلة التقصير في حقوق يعارضها طول القيام، ومقدار ذلك الفائت مع مقدار الحاصل من القيام غير معلوم لنا.(3/17) فالأولى أن يجري الحديث على ظاهره وعمومه، وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة فمقدار تأثير كل واحد منهما في الحث أو المنع غير محقق لنا، فالطريق أننا نفوض الأمر إلى صاحب الشرع، ونجري على ما دل عليه اللفظ مع ما ذكرناه من قوة الظاهر هنا.والله أعلم. (تنبيه) : قال ابن التين: هذا المذكور إذا أجريناه على ظاهره فهو في حق الأمة، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد أمره الله تعالى بقيام أكثر الليل فقال: قوله: (وأحب الصيام إلى الله صيام داود) يأتي فيه ما تقدم في الصلاة، وستأتي بقية مباحثه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى. قوله: (كان ينام نصف الليل إلخ) في رواية ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عند مسلم، " كان يرقد شطر الليل، ثم يقوم ثلث الليل بعد شطره " قال ابن جريج: قلت لعمرو بن دينار: عمرو بن أوس هو الذي يقول يقوم ثلث الليل؟ قال: نعم. انتهى. وظاهره أن: تقدير القيام بالثلث من تفسير الراوي فيكون في الرواية الأولى إدارج، ويحتمل أن يكون قوله: " عمرو بن أوس ذكره " أي بسنده فلا يكون مدرجا. وفي رواية ابن جريج من الفائدة ترتيب ذلك بثم، ففيه رد على من أجاز في حديث الباب أن تحصل السنة بنوم السدس الأول مثلا وقيام الثلث ونوم النصف الأخير، والسبب في ذلك أن الواو لا ترتب. (تنبيه) : قال ابن رشيد: الظاهر من سياق حديث عبد الله بن عمرو مطابقة ما ترجم له، إلا أنه ليس نصاً فيه، فبينه بالحديث الثالث وهو قول عائشة: " ما ألفاه السحر عندي إلا نائما". الحديث: -1132-حَدَّثَنِي عَبْدَانُ، قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، قال: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: الدَّائِمُ. قُلْتُ: مَتَى كَانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ الْأَشْعَثِ، قَالَ: إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ قَامَ فَصَلَّى. الشرح: والد عبدان اسمه: عثمان بن جبلة بفتح الجيم والموحدة. وقوله "عن أشعث " هو: ابن أبي الشعثاء المحاربي، وقوله "الدائم " أي المواظبة العرفية. وقوله "الصارخ " أي الديك. ووقع في مسند الطيالسي في هذا الحديث " الصارخ: الديك " والصرخة: الصيحة الشديدة، وجرت العادة بأن الديك يصيح عند نصف الليل غالبا قاله محمد بن ناصر، قال ابن التين: وهو موافق لقول ابن عباس " نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل". وقال ابن بطال: الصارخ يصرخ عند ثلث الليل، وكان داود يتحرى الوقت الذي ينادي الله فيه " هل من سائل " كذا قال، والمراد بالدوام قيامه كل ليلة في ذلك الوقت لا الدوام المطلق. قوله: (حدثنا محمد) زاد أبو ذر في رواية " ابن سلام " وكذا نسبه أبو علي بن السكن، وذكر الجياني أنه وقع في رواية أبي ذر عن أبي محمد السرخسي " محمد بن سالم " بتقديم الألف على اللام، قال أبو الوليد الباجي: سألت أبا ذر فقال لي: أراه ابن سلام، وسها فيه أبو محمد.
قلت: وليس في شيوخ البخاري أحد يقال له محمد بن سالم. قوله: (عن الأشعث) يعني بإسناده المذكور، وظن بعضهم أنه موقوف على أشعث فأخطأ، فقد أخرجه مسلم عن هناد بن السري، وأبو داود، عن إبراهيم بن موسى الرازي، كلاهما عن أبي الأحوص، بهذا الإسناد بلفظ " سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لها: أي حين كان يصلي؟ قالت: إذا سمع الصارخ قام فصلى " لفظ إبراهيم وزاد مسلم في أوله " كان يحب الدائم " وللإسماعيلي، من رواية خلف بن هشام، عن أبي الأحوص، بالإسناد " سألت عائشة: أي العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أدومه " قال الإسماعيلي: لم يذكر البخاري في رواية أبي الأحوص بعد الأشعث أحداً، وأفادت هذه الرواية ما كان يصنع إذا قام وهو قوله " قام فصلى " بخلاف رواية شعبة فإنها مجملة.(3/18) وفي هذا الحديث الحث على المداومة على العمل وإن قل. وفيه الاقتصاد في العبادة وترك التعمق فيها لأن ذلك أنشط والقلب به أشد انشراحا. وأما حديث عائشة الثاني فوالد إبراهيم بن سعد هو: سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعبر موسى، عن إبراهيم، بقوله " ذكر أبي " وقد رواه أبو داود، عن أبي توبة، فقال: " حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، " وأخرجه الإسماعيلي، عن الحسن بن سفيان، عن جمعة بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن، به. الحديث: -1133-حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ذَكَرَ أَبِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلَّا نَائِمًا. تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الشرح: قوله: (ما ألفاه) بالفاء أي: وجده، والسحر مرفوع بأنه فاعله. والمراد: نومه بعد القيام الذي مبدؤه عند سماع الصارخ جمعا بينه وبين رواية مسروق التي قبلها. قوله: (تعني النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية محمد بن بشر، عن سعد بن إبراهيم، عند مسلم، " ما ألفى رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر على فراشي - أو عندي - إلا نائما " وأخرجه الإسماعيلي عن محمود الواسطي، عن زكريا بن يحيى، عن إبراهيم بن سعد، بلفظ " ما ألفى النبي صلى الله عليه وسلم عندي بالأسحار إلا وهو نائم " وفي هذا التصريح برفع الحديث. (تنبيه) : قال ابن التين: قولها: " إلا نائما " تعني: مضطجعا على جنبه، لأنها قالت في حديث آخر: " فإن كنت يقظانة حدثني وإلا اضطجع " انتهى. وتعقبه ابن رشيد بأنه لا ضرورة لحمل هذا التأويل لأن السياق ظاهر في النوم حقيقة وظاهر في المداومة على ذلك، ولا يلزم من أنه كان ربما لم ينم وقت السحر هذا التأويل، فدار الأمر بين حمل النوم على مجاز التشبيه أو حمل التعميم على إرادة التخصيص، والثاني أرجح وإليه ميل البخاري لأنه ترجم بقوله " من نام عند السحر " ثم ترجم عقبه بقوله " من تسحر فلم ينم " فأومأ إلى تخصيص رمضان من غيره، فكأن العادة جرت في جميع السنة أنه كان ينام عند السحر، إلا في رمضان فإنه كان يتشاغل بالسحور في آخر الليل، ثم يخرج إلى صلاة الصبح عقبه. وقال ابن بطال: النوم وقت السحر كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي الطوال وفي غير شهر رمضان، كذا قال، ويحتاج في إخراج الليالي القصار إلى دليل. *3*8_ الشرح: قوله: (باب من تسحر فلم ينم حتى صلى الصبح) كذا للأكثر، وللحموي والمستملي " من تسحر ثم قام إلى الصلاة". الحديث: -1134-حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَسَحَّرَا. فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى. فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: كَقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً. الشرح: قوله: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) هو: الدورقي، وروح هو: ابن عبادة. قوله: (فلما فرغا من سحورهما قام إلى الصلاة فصلى) هو ظاهر لما ترجم له. والمراد بالصلاة: صلاة الصبح، وقبلها صلاة الفجر، وقد تقدم توجيهه، ويأتي الكلام على بقية فوائد الحديث في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى. *3*9_ الشرح: قوله: (باب طول القيام في صلاة الليل) كذا للأكثر، وللحموي والمستملي " طول الصلاة في قيام الليل " وحديث الباب موافق لهذا لأنه دال على طول الصلاة لا على طول القيام بخصوصه، إلا أن طول الصلاة يستلزم طول القيام لأن غير القيام كالركوع مثلا لا يكون أطول من القيام كما عرف بالاستقراء من صنيعه صلى الله عليه وسلم، ففي حديث الكسوف " فركع نحواً من قيامه " وفي حديث حذيفة الذي سأذكره نحوه، ومضى حديث عائشة قريباً أن السجدة تكون قريباً من خمسين آية، ومن المعلوم في غير هذه الرواية أنه كان يقرأ بما يزيد على ذلك. الحديث: -1135-حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ. قُلْنَا: وَمَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الشرح: قوله: (عن عبد الله) هو: ابن مسعود. قوله: (بأمر سوء) بإضافة أمر إلى سوء. وفي الحديث: دليل على اختيار النبي صلى الله عليه وسلم تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما هم بالقعود إلا بعد طول كثير ما اعتاده. وأخرج مسلم، من حديث جابر، " أفضل الصلاة طول القنوت " فاستدل به على ذلك. ويحتمل أن يراد بالقنوت في حديث جابر: الخشوع، وذهب كثير من الصحابة وغيرهم إلى أن كثرة الركوع والسجود أفضل، ولمسلم، من حديث ثوبان، " أفضل الأعمال كثرة السجود " والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. وفي الحديث: أن مخالفة الإمام في أفعاله معدودة في العمل السيء. وفيه: تنبيه على فائدة معرفة ما بينهم من الأحوال وغيرها، لأن أصحاب ابن مسعود ما عرفوا مراده من قوله " هممت بأمر سوء " حتى استفهموه عنه، ولم ينكر عليهم استفهامهم عن ذلك. وروى مسلم، من حديث حذيفة، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة، وكان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح أو سؤال سأل أو تعوذ تعوذ، ثم ركع نحواً مما قام، ثم قام نحواً مما ركع، ثم سجد نحواً مما قام. وهذا إنما يتأتى في نحو من ساعتين، فلعله صلى الله عليه وسلم أحيا تلك الليلة كلها. وأما ما يقتضيه حاله في غير هذه الليلة فإن في أخبار عائشة أنه كان يقوم قدر ثلث الليل، وفيها أنه كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة، فيقتضي ذلك تطويل الصلاة والله أعلم. (تنبيه) : ذكر الدارقطني أن سليمان بن حرب تفرد برواية هذا الحديث، عن شعبة حكاه عنه البرقاني، وهو من الأفراد المقيدة، فإن مسلماً، أخرج هذا الحديث من طريق أخرى عن الأعمش. الحديث: -1136-حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. الشرح: قوله: (عن خالد بن عبد الله) هو: الواسطي، وحصين هو: ابن عبد الرحمن الواسطي أيضاً، وقد تقدم حديث حذيفة في الطهارة. واستشكل ابن بطال دخوله في هذا الباب فقال: لا مدخل له هنا لأن التسوك في صلاة الليل لا يدل على طول الصلاة. قال: ويمكن أن يكون ذلك من غلط الناسخ فكتبه في غير موضعه، أو أن البخاري أعجلته المنية قبل تهذيب كتابه، فإن فيه مواضع مثل هذا تدل على ذلك. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون أشار إلى أن استعمال السواك يدل على ما يناسبه من إكمال الهيئة والتأهب، وهو دليل طول القيام إذ التخفيف لا يتهيأ له هذا التهيؤ الكامل.(3/20) وقد قال ابن رشيد: الذي عندي أن البخاري إنما أدخله لقوله " إذا قام للتهجد " أي إذا قام لعادته، وقد تبينت عادته في الحديث الآخر، ولفظ التهجد مع ذلك مشعر بالسهر، ولا شك أن في التسوك عونا على دفع النوم فهو مشعر بالاستعداد للإطالة. وقال البدر بن جماعة: يظهر لي أن البخاري أراد بهذا الحديث استحضار حديث حذيفة الذي أخرجه مسلم، يعني المشار إليه قريبا، قال: وإنما لم يخرجه لكونه على غير شرطه، فأما أن يكون أشار إلى أن الليلة واحدة، أو نبه بأحد حديثي حذيفة على الآخر. وأقر بها توجيه ابن رشيد. ويحتمل أن يكون بيض الترجمة لحديث حذيفة فضم الكاتب الحديث إلى الحديث الذي قبله وحذف البياض. *3*10_ قوله:(باب كيف صلاة الليل، وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل؟) أورد فيه أربعة أحاديث: الحديث: -1137-حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ. الشرح: حديث ابن عمر " صلاة الليل مثنى مثنى " الحديث، وقد تقدم الكلام عليه في أول أبواب الوتر، وأنه الأفضل في حق الأمة لكونه أجاب به السائل، وأنه صلى الله عليه وسلم صح عنه فعل الفصل والوصل. الحديث: -1138-حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. يَعْنِي بِاللَّيْلِ. الشرح: حديث أبي جمرة، عن ابن عباس، " كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة". يعني بالليل. وأخرجه مسلم والترمذي، بلفظ " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة " وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أول أبواب الوتر أيضاً، وتقدم أيضا بيان الجمع بين مختلف الروايات في ذلك. الحديث: -1139-حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ: سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سِوَى رَكْعَتِي الْفَجْرِ. الشرح: حديث عائشة، من رواية مسروق، قال: " سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر". الحديث: -1140-حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ. الشرح: حديثها من طريق القاسم، عنها " كان يصلي من الليل ثلاث عشرة منها الوتر وركعتا الفجر " وفي رواية مسلم، من هذا الوجه " كانت صلاته عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة " فأما ما أجابت به مسروقا فمرادها أن ذلك وقع منه في أوقات مختلفة، فتارة كان يصلي سبعاً وتارة تسعاً وتارة إحدى عشرة. وأما حديث القاسم، عنها، فمحمول على أن ذلك كان غالب حاله، وسيأتي بعد خمسة أبواب من رواية أبي سلمة عنها أن ذلك كان أكثر ما يصليه في الليل، ولفظه " ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة " الحديث. وفيه: ما يدل على أن ركعتي الفجر من غيرها فهو مطابق لرواية القاسم.(3/21) وأما ما رواه الزهري، عن عروة، عنها كما سيأتي في " باب ما يقرأ في ركعتي الفجر " بلفظ " كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين " فظاهره يخالف ما تقدم، فيحتمل أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء لكونه كان يصليها في بيته، أو ما كان يفتتح به صلاة الليل فقد ثبت عند مسلم، من طريق سعد بن هشام، عنها، أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين، وهذا أرجح في نظري لأن رواية أبي سلمة التي دلت على الحصر في إحدى عشرة جاء في صفتها عند المصنف وغيره " يصلي أربعاً ثم أربعاً ثم ثلاثاً " فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين وتعرضت لهما في رواية الزهري، والزيادة من الحافظ مقبولة، وبهذا يجمع بين الروايات. وينبغي أن يستحضر هنا ما تقدم في أبواب الوتر من ذكر الركعتين بعد الوتر والاختلاف هل هما الركعتان بعد الفجر أو صلاة مفردة بعد الوتر، ويؤيده ما وقع عند أحمد وأبي داود، من رواية عبد الله بن أبي قيس، عن عائشة، بلفظ " كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة ولا أنقص من سبع " وهذا أصح ما وقفت عليه من ذلك، وبه يجمع بين ما اختلف عن عائشة من ذلك والله أعلم. قال القرطبي: أشكلت روايات عائشة على كثير من أهل العلم حتى نسب بعضهم حديثها إلى الاضطراب، وهذا إنما يتم لو كان الراوي عنها واحداً أو أخبرت عن وقت واحد: والصواب أن كل شيء ذكرته من ذلك محمول على أوقات متعددة وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز والله أعلم.
وظهر لي أن الحكمة في عدم الزيادة على إحدى عشرة أن التهجد والوتر مختص بصلاة الليل، وفرائض النهار - الظهر وهي أربع والعصر وهي أربع والمغرب وهي ثلاث وتر النهار - فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار في العدد جملة وتفصيلا. وأما مناسبة ثلاث عشرة فبضم صلاة الصبح لكونها نهارية إلى ما بعدها. (تنبيه) : إسحاق المذكور في أول حديثي عائشة هو: ابن راهويه كما جزم أبو نعيم في المستخرج، وعبيد الله المذكور في ثاني حديثيها هو: ابن موسى، وقد روى البخاري عنه في هذين الحديثين المتواليين بواسطة وبغير واسطة وهو من كبار شيوخه، وكأن أولهما لم يقع له سماعه منه، والله أعلم.
|